بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم فتح لنا أبواب رحمتك ونشر علينا خزائن علمك أو حكمتك اللهم علمنا ما ينفعنا ونفعنا بما علمتنا يا الله يا ذو الجلال والإكرام. اللهم لا سهلا إلا ما جعلته أنت سهلا. وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا فجعل لنا اللهم كل صعب سهلا. اللهم يسر لنا تيسيرا وفك عنا كل عسير ولا تؤاخذنا بالذنوب والتقصير إنك ولي ذلك وأنت السميع البصير وأنت على كل شيء قدير. نعم المولى ونعم النصير.
إخواني الكرام أخواتي الفاضلات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ملتقانا اليوم مع صور جديدة من حياة صحابي جليل هو البراء بن مالك الأنصاري. قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لا تولوا البراء جيشا من جيوش المسلمين مخافة أن يهلك جنده بإقدامه. هذه مقولة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في سيدنا في البراء بن مالك كان أشعث أغبر، ضئيل الجسم، معروق العظب، قليل اللحم، هاكم ضعيف البنية، تقتحم عين راعيه ثم تزور عنه زورارا، ولكنه مع ذلك قتل مئة من المشركين مبارزة وحده، عدا عن الذين قتلهم في غمار المعارك مع المحاربين. إنه والكمي الباسل المغوار الذي كتب الفاروق بشأنه إلى عماله في الآفاق أن لا يولوه على جيش من جيوش المسلمين خوفا من أن يملكه بإقدامه. إنه البراء بن مالك الأنصاري أخو أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو رحنا تستقصي لكم أخباره بطولات البراء بن مالك أطال الكلام وضاق المقام، لذا فإننا هنا سنعرض قصة واحدة من قصص بطولاته وهي تنبيكا عما عداها.
تبدأ هذه القصة منذ الساعات الأولى لوفاة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والتحاقه الرفيق الأعلى، حيث طفقت قبائل العرب تخرج من دين الله أفواجا، كما دخلت في هذا الدين أفواجا حتى لم يبق على الإسلام إلا أهل مكة والمدينة والطائف وجماعات متفرقة هنا وهناك، من ثبت الله قلوبهم عن الإيمان صمد الصديق رضوان الله عليه لهذه الفتنة المدمرة العمياء، صمود الجبال الراسية مجهزة من المهاجرين والأنصار أحد عشر جيشا، وعقد لقادة هذه الجيوش أحد عشر لواء، ودفع بهم في أرجاء جزيرة العرب، ويعيدوا المرتدين إلى سبيل الهدى والحق، وليحمل المنحرفين على الجادة بحد السيف، وكان أقوى المرتدين بأسا وأكثرهم عددا من بني حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب، فقد اجتمع مسيلمة من قومه وحلفائهم أربعون ألفا من أشداء المحاربين، وكان أكثر هؤلاء قد اتبعوه عصبية له لإ ايماننا به، فقد كان بعضهم يقول أشهد أن مسيلمة الكذاب ومحمد صادق لكن كذاب ربيعة أحب إلي من صادق مضر، هزم مسيلمة أول جيش خرج إليه من جيوش المسلمين بقيادة عكرمة بن أبي جهل بقيادة عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ورده على اعقابه، فأرسل له الصديق جيشا ثانيا بقيادة خالد بن الوليد، حشد فيه وجوه الصحابة من الأنصار والمهاجرين، وكان في طليعة هؤلاء وهؤلاء البراء بن مالك الأنصاري، ونفر من أبطال المسلمين. والتقى الجيشان على أرض اليمامة في نجد، فما هو إلا قليل حتى رجحت كفة مسيلمة وأصحابه و زلزلت الأرض تحت أقدام جنود المسلمين، وطفق يتراجعون عن مواقفهم، حتى اقتحم أصحاب مسيلمة فسطاط خالد الخيمة التي فيها خالد بن الوليد، واقتلعوا من أصوله، وكانوا يقتلون زوجته لولا أن اجارهم واحد منهم.
عند ذلك شعر المسلمون بالخطر الدائم ، وأدركوا أنه ان يهزموا أمام مسيلمة، فلن تقوم للإسلام قائمة بعد اليوم، ولن يعبد الله وحده لا شريك له في جزيرة العرب. وذهب خالد إلى جيشه فأعاد تنظيمه، حيث ميز المهاجرين عن الأنصار، وميز أبناء البوادي عن هؤلاء وهؤلاء، وجمع أبناء كل أبين تحت راية واحد منهم ليعرف بلاء كل فريق في المعركة، وليعلم من أين يؤتى المسلمون. ودارت بين الفريقين رحم معركة ضروس لم تعرف حروب المسلمين لها نظيرا من قبل، وثبت قوم مسيلمة في ساحات الوغى ثبات الجبال الروسيات، ولم يأبه لكثرة ما أصابه من القتل. كذلك أيضا أبدع المسلمون من الخوارق البطولات ما لو جمع لكان ملحمة من روائعه الملاحم، فهذا ثابت بن قيس حامل لواء الأنصار يتحنطوا و ويتكفنوا ويحفر لنفسه حفرة في الأرض فينزل فيها إلى نصفي ساقيه، ويبقى ثابتا في موقفه يجانبه عن راية قومه حتى خر صريعا شهيدا. وهذا زيد بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ينادي في المسلمين أيها الناس عضوا على اضاراسكم ، واضربوا في عدوكم ومضوا قدما. أيها الناس والله لا أتكلم بعد هذه الكلمة أبدا حتى يهزم مسيلمة حتى يهزم مسيلمة أو ألقى الله فأبلي إليه بحجتي، ثم كر على القوم فما زال يقاتل حتى قتل، وهذا سالم مولى أبي حذيفة يحمل راية المهاجرين، فيخشى عليه قومه أن يضعف أو يتزعزع، فقالوا له إننا نخشى أن نوتى من قبلك، فقال إن أتيتم من قبلي فبئس حامل القرآن أكون ثم كر على على أعداء الله كرة باسلة حتى أصيب.
قبل أن نختم درس هذا اليوم لنا أن نتساءل ايها الاخوه الكرام ما هذه الهمم ؟ ما هذه العزائم ما هذا الإيمان واليقين الذي يلتف على قلوب صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ ما هذا الإيمان الذي دخل إلى سويداء القلوب فحرك الجوارح وأصبحت الدنيا لا تسوى أمام ناظريهم شيئا أصبحت الحياة بكل ما فيها رخيصة أن تبذل أمام رضوان من الله سبحانه وتعالى وأمام فضل يأتيهم من الله سبحانه وتعالى. إنه الإيمان الذي يصنع البطولات ويأتي في الخوارق. إنه اليقين الذي يعمر القلوب فيجعل هذه الحياة الدنيا لا تساوي شيئا أمام الحياة الآخرة. نعم (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍۢ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجْرَهُم ). في الختام استودعكم الذي لا تضيع ودائعه، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إرسال تعليق